قال سلطان الأولياء والعارفين الباز الأشهب الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه/ الغنية /2/ص163-164:
فالذي يجب على المبتدىء في هذه الطريقة الاعتقاد الصحيح الذي هو الأساس فيكون على عقيدة السلف الصالح أهل السنة القديمة سنة الأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين والأولياء والصديقين على ما تقدم ذكره وشرحه في أثناء الكتاب فعليه بالتمسك بالكتاب والسنة والعمل بهما أمورا ونهيا أصلا وفرعا فيجعلهما جناحيه يطير بهما في الطريق الواصل إلى الله عز وجل ثم الصدق ثم الاجتهاد حتى يجد الإرشاد إليه والدليل وقائدا يقوده ثم مؤنسا يؤنسه ومستراحا يستريح إليه في حالة إعيائه ونصبه وظلمته عند ثوران شهواته ولذاته وهنات نفسه وهواه المضل وطبعه المجبول على التثبط والتوقف عن السير في الطريق قال الله عز وجل : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) الآية 69 سورة العنكبوت . وقال الحكيم : من طلب و جد وجد .
فبالاعتقاد يحصل له علم الحقيقة وبالاجتهاد يتفق له سلوك الحقيقة ثم يجب عليه أن يخلص مع الله عز وجل عهدا بأن لا يرفع قدم في طريقه إليه ولا يضعها إلا بالله ما لم يصل إلى الله فلا ينصرف عن قصده بملامة مليم لأن الصادق لا يرجع ولا بوجود كرامه فلا يقف معها ويرضى بها عن الله عز وجل عوضا إذ هي حجابه عن ربه ما لم يصل إليه عز وجل فإذا حصل الوصول لا تضره الكرامات إذ هي من باب القدرة وثمراتها وعلاماتها ووصوله إلى الحق عز وجل من القدرة فلا ينقض الشيء نفسه وكيف وقد يصير هو حينئذٍ قدوة في الأرض وخرق عادة وكلامه حكمة بالغة من بعد جهل وعجمة وبلادة وقصور وحركاته وسكناته وتصاريفه عبرة لمن اعتبرها وأفعال الله تجري فيه وعليه مما يبهر العقول ثم قد يؤمر حينئذ بطلب الكرامة ويجبر عليها وتحقق عنده أن دماره وهلاكه في ترك الطلب ومخالفة هذا المر وثباته وبقائه وعبادته وقربته ومرضاة ربه ودنوه منه وزيادة محبة ربه له في طلبها وامتثال أمره فيها . فكيف تضره الكرامة حينئذ أن يكون ذلك بينه وبين ربه عز وجل ولا يظهره لأحد من العوام إلا أن يغلب عليه ظهوره. لأن من شرط الولاية كتمان الكرامات ومن شروط النبوة والرسالة إظهار المعجزات . ليقع بذلك الفرق بين الولاية والنبوة ولا ينبغي له أن يعرج له في أوطان التقصير ولا يخالط المقصرين والباطلين أبناء قيل وقال أعداء الأعمال والتكاليف المدعين للإسلام والإيمان الذين قال الله عز وجل في حقهم : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون * كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون) الآية 2-3 سورة الصف . وقال في أختها (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) الآية 44 سورة البقرة .
وينبغي له أن لا يضن ببذل الميسور ولا يبخل بالموجود خوفاً أن ينال مثله للإفطار والسحور ويقطع في نفسه وبقلبه علماً بان الله لم يخلق ولياً له في سالف الدهور بخيلاً ببذل الميسور وينبغي له أن يرضى بالذل الدائم وحرمان النصيب والجوع الدائم والخمول وذم الناس له وتقديم أضرابه وأشكاله وأقرانه عليه في الإكرام والعطاء والتقريب عند الشيوخ ومجالس العلماء فيجوع هو والجماعة يشبعون والكل أعزاء ونصيبه الذل ويعز الجميع ويكون يستخير لنفسه الذل ويجعله لنصيبه ومن لم يرضى بهذا ويوطن نفسه عليه فلا يكاد أن يفتح عليه ويجيء من شيء فالنجاح الكلي والفلاح فيما ذكرنا
وينبغي له أن لا ينتظر من الله مطلوباً سوى المغفرة لما سلف من الذنوب والعصمة فيما يأتي والتوفيق لما يحبه من الساعات ويوصله إليه من القربات ثم الرضا عنه في الحركات والسكنات والتحبب إلى الشيوخ من الأولياء والأبدال إذ ذاك سب لدخوله في زمرة الأحباب ذوي العقول والألباب الذين عقلوا من رب الأرباب واطلعوا على العبر والآيات فصفت حينئذ القلوب والضمائر والنيات فهذا الذي ذكرته في صفة المريد فلما لم يتجرد قلبه عن جميع الطلبات والمآرب وينتفي عن غيرها ما ذكرنا من الحوائج والمطالب لا يكون مريداً على نعت الاستحقاق .وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا والحمد لله رب العالمين .
http://syangar.bodo.blogspot.co.cc