بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ الأكبر ، و النور الأبهر والكبريت الأحمر ، محيى الدين أبو عبد الله محمد بن عربى الحاتمى الطائى الأندلسى ، رضى الله عنه ، آمين .
الحمد لله رب العالمين ، و صلى الله على سيدنا محمد و آله وصحبه أجمعين .
سألتَ أيها المريد عن " كنه ما لا بد للمريد منه " ، فأجبتك فى هذه الأوراق و الله الموفق لا رب غيره .
اعلم أيها المريد - وفقك الله و إيانا لطاعته واستعملنا و إياك بما يرضيه - أن القرب من الله : لا يُعْـلـَم إلا بتعريفه إيانا بذلك، وقد فعل ذلك ، و لله الحمد و الشكر ، فأرسل الرسل ، و أنزل الكتب ، و أوضح السبل الموصلة إلى السعادة الأبدية ،فآمنا وصدقنا ، و ما بقى إلا استعمال ما وقع به الإيمان من الأعمال ، و تقرر فى نفوس المؤمنين : من وضع الشرع فى محله .
ثم يجب عليك أيها المريد : توحيد خالقك ، وتنزيهه عن : ما لا يجوز عليه سبحانه و تعالى . فأما توحيده ، فلو ثـَمَّ إله ثانٍ مع الله لامتنع وقوع الفعل من الإلهين ، لاختلاف الإرادات : وجوداً و تقديراً ، و فسد النظام ، وذلك قوله تعالى : - ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ).
و لا تسل ياأخى : بمن أشرك . و لا تحتاج إلى إقامة دليل على الوحدانية و الأحدية ، فإن المشرك قد أثبت وجود الحق تعالى معك و زاد عليه الشريك ، فعليه الدليل عل ما زاد . و يكفيك هذا فى التوحيد ، فإن الوقت عزيز و العقد سالم .
و المخالف : لا عين موجودة . و الحمد لله .
و أما تنـزيهه ، فهو آكد عليك ، من أجل المشبهة و المجسمة الظاهرين فى هذا الزمان ، فاعقد على قوله : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) و حسبك هذا. فكل وصف يناقض هذه الآية مردود ، و لا تزد و لا تبرح من هذا الموطن .
لذلك جاء فى السنة " كان الله و لا شىء معه " تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً .
وكل آية و حديث توهم التشبيه مما يعطيه كلام العرب ، أو كلام من أنزل عليه : بشىء من الوحى والتبليغ فيجب عليك الإيمان به، على حد ما يعلمه الله تعالى ، و ما أنزله ، لا على ما تتوهمه واصرف علم ذلك إلى الله . ليس بعد - لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ -
و ما ينزهه منزه إذ قد نزه نفسه بنفسه ، و هو أنزه ما ينبغى له . إنه - عز و جل - أعظم و أجل مما علمت و جهلت .
ثم بعد ذلك أيها المريد : يجب عليك الإيمان بالرسل صلوات الله عليهم ، و بما جاءوا به ؛ و ما أخبروا عنه .
ثم حب الصحابة رضى الله عنهم أجمعين . ولا سبيل إلى تجريحهم البته، و لا الطعن فيهم ، ولا تفضل أحد على الآخر ، إلا بما فضله ربه فى كتابه العزيز ، أو على لسان نبيه صلى الله عليه و على آله و صحبه وسلم .
ويجب عليك تعظيم من عظم الله تعالى و رسوله ، ثم التسليم لأهل هذه الطريق فيما يحكى عنهم من الحكايات ، وكل ما ترى منهم - مما لا يسع العقل و لا العلم - . و حسن الظن بالناس أجمعين ، و سلامة الصدر ، و الدعاء للمؤمنين بظهر الغيب ،
و خدمة الفقراء برؤية الفضل لهم فى ذلك حيث ارتضوك خديماً لهم ، وحمل كلفهم و أذاهم ، وجفاهم ، و الصبر على أذاهم .
ومما لا بد منه : الصمت إلا عن ذكر الله تعالى ، " وتلاوة القرآن الكريم " و إرشاد الضال ، و الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر،والإصلاح بين المتهاجرين ، و التحريض على الصدقة ، بل على كل خير .
ومما لا بد منه : طلب شخص موافق ، يعينك على ما أنت بصدده و سبيله فإن " المرء بأخيه" . و إياك وصحبة الضد .
ومما لا بد منه : شيخ مرشد ، و الصدق شعار المريد ، لأنه إذا صدق مع الله تعالى : جعل كل شيطان فى حقه ملكاً ، يرشده إلى الخير، و يلهمه الخير ، فإن الصدق هو : الإكسير الأعظم ، ما وضع على شىء إلا قلب عينه .
ومما لابد منه : البحث عن هذه اللقمة ، فأساس هذا الطريق : اللقمة الحلال ، عليها قام هذا الطريق ، و لاتثقل على أحد ،
ولا تقبل من أحد، واحترف ، وتورع فى كسبك و نطقك و نظرك و سمعك ، و فى جميع حركاتك .
و لا توسع فى ثوب و لا مسكن ، و لا مأكل ، فإن الحلال قليل : لا يحتمل السرف . و اعلم أن النفوس إذا زرع الإنسان الشهوة بها : عسر قلعها بعد ذلك . هذا كله لابد منه.
ومما لا بد منه : قلة الطعام ، فإن الجوع يورث النشاط فى الطاعة ، و يذهب الكسل .
وعليك بتعمير الأوقات فى الليل و النهار . فأما الساعات التى دعاك الشرع إليها - إلى الوقوف فيها ين يدى ربك - و هى الخمسة الأوقات الواجبة عليك ، وباقى ما بينها من الأوقات فإن كنت صاحب حرفة ، فاجتهد أن تعمل فيها أيامأً مثل الفتى ابن هارون الرشيد رحمة الله تعالى عليه .
و لا تفارق مصلاك بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس ، و من بعد صلاة العصر إلى غروبها ، بذكر و خشوع و خضوع .ولا يفوتك الوقوف مصلياً من الظهر إلى العصر ، ومن المغرب إلى العشاء الأخيرة بعشرين ركعة .
و حافظ على أربع ركعات أول النهار و قبل الظهر و قبل العصر و اجعل وِتْرك ثلاثة عشر ركعة ، و لا تنم إلاعن غلبة ،و لاتأكل إلا عن فاقة ، و لا تلبس إلا عن وقاية من حر أو برد ، بنية ستر العورة و دفع الأذى القاطع عن عبادة ربك .
و إن كنت ممن يعرف يكتب ، فاجعل على لسانك ورداً من القرآن فى المصحف ، تمسكه فى حجرك و تلقى يدك اليسرى تحت المصحف ، بحيث تسمع نفسك ، و ترتل القرآن ، وتسأل فى السورة التى توجب السؤال فيها و تعتبر فى الآية التى فيها اعتبار ، و تعامل فى كل آية بما يليق بها ، و ما تدل عليه من تلك الصفات ، فانظر ما عندك منها و ما فقدت من ذلك ، فاشكره على ما عندك . و ما فاتك حصله . و إذا قرأت وصف المنافقين و الكافرين ، فانظر : هل فيك من تلك الصفــــــات
شىء أم لا ؟
ومما لا بد منه : محاسبتك نفسك ، و مراعاة خواطرك فى الأوقات ، ثم أشعر نفسك الحياء - من قلبك - من الله تعالى ، فإنك إذا استحـيـيت من الله منعت قلبك أن يخطر فيه خاطر يذمه الشرع ، أو تتحرك بحركة لا يرتضيها الحق.
و لقد كان لنا شيخ يـقيد حركاته فى صحيفة ، ثم إذا جنه الليل وضعها بين يديه ، ثم يحاسب نفسه على ما فيها .
وقد زدت على شيخى بتقييدى خواطرى .
ومما لا بد منه : مراعاة الخواطر و الأوقات ، بأن تنظر فى الوقت الذى أنت فيه ، و تنظر فيما قال لك الشرع أن تعـمل فـتعـمل إن كنت فى وقت فرض فأده أو ندب فبادر إليه . و إن كنت فى وقت مباح فاشغل نفسك بما ندبك الحق إليه من الخير على أنواعه .
و إذا شرعت فى مشروع يعطى قربة : لا تحدث نفسك أن تعيش بعده إلى عمل آخر ، فاجعل ذلك آخر عمل من الدنيا : الذى تلقى به ربك . فإذا فعلت هذا خلصت ، ومع الخلاص ، يكون القبول .
و مما لا بد منه : الجلوس على طهارة دائماً ، و متى أحدثت توضأت ، و متى توضأت صلِّ ركعتين ، إلا أن تكون وقت كراهة نهيت عن إيقاع الصلاة فيه، و هى ثلاثة أوقات :
طلوع الشمس ، إلى وقت استوائها ، إلا يوم الجمعة ، و بعد العصر إلى غروبها و عند الزوال .
و مما لابد منه : البحث عن مكارم الأخلاق ، و إتيانها : تعين منها خلقاً . كذلك سوء الأخلاق : اجتنبها كلها .
واعلم أن من ترك خلقاً كريماً ، فإنه ذو خلق ذميم . و اعلم أن الأخلاق على أصناف ، كما هم الخلق على أقسام، فيــنـبغى أن تعرف أى خلق تستعمله.
و الذى يعم أكثر الأصناف : إيصال الراحة إليهم ، و دفع الأذى عنهم ، لكن فى رضاء الله تعالى .
و اعلم أن الخلق عبيد مسخرون ، مجبورون فى حركاتهم و نواصيهم بيد محركهم ، و النبى صلى الله على آله و صحبه
و سلم قد أراحنا فى هذا المقام ، قال : " بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " .
فكل موضع قال لك الشرع فيه : إن شئت أن تتصرف ، و إن شئت تركت ؛ اختر الترك . أو قال لك : إن شئت جازيت ،
و إن شئت عفوت ، فاجنح إلى العفو و التسامح ، و أجرك على الله تعالى .
وإياك أن تقتص لنفسك ممن أساء إليك ، فإن الله عز و جل سماها سيئة بالجملة ، و إن كانت مما يسوء المقتص منه . و كل موضع قال لك الشرع : اغضب ؛ فإن لم تغضب فما هو خلق حميد ، لأن الغضب لله تعالى من مكارم الأخلاق مع الله تعالى .
و طوبى لمن عامله و صحبه ، سمع الله تعالى يقول : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ).
ومما لا بد منه : مجانبة الأضداد ، و من ليس من جنسك ، من غير أن تعتقد فيهم السوء ، أو يخطر ذلك فى خاطرك . و لكن: نية صحبة الحق تعالى و أهله و إيثاره عليهم .
كذلك فعامل هذه الحيوانات بالشفقة عليهم ، و الرحمة بهم ، لأنهم ممن سخر الله سبحانه لك ، فلا تحملهم فوق طاقـتـهم
و لا تركب ما تركب منها بطراً .
و باشر كذلك ملك اليمين من الرقيق ، لأنهم أخوانك ، قد ملكك الله نواصيهم ليرى كيف تتصرف فيهم ، فأنت عبد له سبحانه و تعالى ، فما تحب أن يفعله معك ، كذلك بعينه افعل مع غلمانك و جواريك ، فإن الله تعالى يجازيك ، و ما تحب أن يصرفه عنك من القبيح و السوء ؛ ذلك بعينه افعله معهم ، فالكل عيال الله تعالى ، و أنت من جملة العيال .
فإن كان لك ولد ، فعلمه القرآن ، لا لغرض من أغراض الدنيا . و ألزمه محافظة آداب الشريعة الإسلامية والأخلاق الدينية . و احمله على الرفق و الزهد من صغره كى يعتادها . و لا تزرع الشهوات فى قلبه . و بغض إليه زينة الحياة الدنيا ، و ما يئول صاحبها من نقص الحظ فى الآخرة . و لا تعمل ذلك شحاً على درهمك و مالك .
ومما لابد منه : أن لا تقترب من أبواب السلطان ، و لا تصاحب المتنافسين فى الدنيا ، فإنهم يأخذون بقلبك عن الله تعالى . فإن اضطرك أمر إلى صحبتهم ، فعاملهم بالنصيحة ، و لا تغشهم ، فإنك تعامل الحق تعالى .و مهما فعلت سخروا منك فى عموم أحوالك فتوجه إلى الله فى تخليصك مما أنت فيه ، بما هو أحسن لك فى دينك .
و مما لا بد منه : الحضور مع الله تعالى فى جميع حركاتك و سكناتك .
و أوصيك بالإنفاق فى السراء و الضراء ، و الشدة و الرخاء . فإن ذلك دليل على ثقة القلب بما عند الله تعالى ، فإن البخيل جبان يأتيه الشيطان فيمد أمله ، و يطيل عمره ، و يقول له : " إن أنفقت مالك هلكت و بقيت مثلة بين أقرانك و أصحابك ، بلا شىء ، فأمسك عليك ، و استعد إلى نوائب الزمان ، و لا تغتر بهذا الرخاء الذى أنت فيه
فما تدرى ما يحدث الله فى العام القابل .
وإن كانت أوقات شدة و ضراء ، فيقول لك :" أمسك عليك شيئاً فإنك لا تدرى متى تنقضى هذه الشدة و لعل هذا الأمرلا يزداد إلا صعوبة و احفظ على نفسك ، فما أحد ينفعك إذا لم يبق معك شىء ، وتتأخر و تثقل على الخلق ، و تذهب ماء وجهك ".
فإن استمرت هذه الوسوسة على قلب هذا المسكين ، أدته إلى الشح و البخل ، و حالت بينه و بين قوله تعالى : ( وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ).
و عندنا فى هذا الطريق :إذا التحق رجل بأهل الله تعالى ، ثم بخل ، فإنه يستبدل مكانه ، و ينزل عن ذلك المقام
من قوله تعالى ( وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ). و حال بينه و بين قوله تعالى ( رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) فضيعوا فقراءهم ، فماتوا جوعاً .
وحالت بينه و بين حال النبى صلى الله على آله و صحبه و سلم: " أنفق بلال و لا تخش من ذى العرش إقلالاً " و بينه
و بين قوله : " إن لله ملكاً فى كل يوم ينادى عند الصباح : اللهم أعطِ كل منفق خلفاً ، و أعطِ كل ممسك تلفاً ". وحالت بينه و بين حال النبى صلى الله على آله و صحبه و سلم حين أعطى الكنزين فاختار تركهما على أخذهما .
و بين حال إبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه حين جاء إلى النبى صلى الله على آله و صحبه و سلم بجميع ماله فقال :
" ماأبقيت لأهلك يا أبا بكر . قال : الله و رسوله " و جاء عمر بن الخطاب بنصف ماله . فقال : " ما أبقيت لأهلك ؟
قال : النصف ، و تصدقت بالنصف .
قال صلى الله على آله و صحبه و سلم : " ما بينكما كما بين كلمتيكما " .
فالإنفاق سبب لاستجلاب الرزق من الرزاق ، فى الدنيا و الآخرة . فكل من أمسك فهو لله تعالى متهم ، وعلى درهمه معتمد ، وكانت ثقته بدرهمه أعظم من ثقته بربه . و هذا طعن بإيمانه ، و نسأل الله تعالى العافية .
و عليك بالإنفاق فى الشدة ، و لا تخف الفقر ، فليس إلا كما قال رسول الله صلى الله على آله و صحبه و سلم :
" من قال بماله هكذا هكذا " يميناً و شمالاً ، و الله تعالى موف لك ما وعدك : شئت أم أبيت ، شاء العالم أم أبى ، فما هلك سخى قط .
و لولا قصدى الاختصار لسقنا من الأخبار ما يتأيد به ما ذكرنا .

( فصل )
وعليك بكظم الغيظ ، فإنه دليل على سعة الصدر . فإنك إذا كظمت غيظك : أرضيت الرحمن ، و أسخطت الشيطان و قمعت نفسك و ردعتها ، حيث لم تنتصر لها ، و أدخلت السرور على قلب من كظمت غيظك عنه ، و لم تجازه بفعله . و كان ذلك سبباً فى رجوعه إلى الحق و إنصافه و إقراره بالجفاء عليك و التعدى . و ربما كان ندم على ما وقع منه .فعليك بواقع القبول ، فتخلق بذلك .
ثم الفائدة الكبرى ، و الفضيلة العظمى : إنك إذا كظمت عن من فعل ذلك الغضب : جازاك الله تعالى على فعلك .
فأى فائدة أتم من عفوك عن أخيك و تحمل أذاه ، و كظم غيظك ؟ وما أراد الحق أن تفعله مع عبد ، فقد أراد أن يفعله معك بعينه .
فاجتهد فى هذه الصفات ، فإنها تورث المودة فى قلوب الناس ، فإن النبى صلى الله على آله و صحبه و سلم قد أمرنا بالتودد و التحابب ، و هذا من أعلى أسباب تؤدى إلى المحبة .

( فصل )
و عليك بالإحسان ، فهو دليل على الحياء من الله تعالى ، وعلى تعظيم الله تعالى فى قلب المحسن.
قال جبريل - عليه السلام- : ما الإحسان ؟
قال النبى صلى الله على آله و صحبه و سلم:" أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " .
قال عليه الصلاة و السلام : " إن الحياء من الإيمان " و " الحياء خير كله " .
فمن المحال أن يكون عند المؤمن شر ، انتهى .

( فصل )
و عليك بلزوم الذكر و الاستغفار ، إن كان عقيب ذنب محاه و أزاله ، و إن كان عقيب طاعة و إحسان ، فنور على نور ،
و سرور على سرور ، فإن الذكر أجمع للهم ،و أصفى للخاطر .
فإن سئمت فانتقل إلى تلاوة كتاب الله مرتلاً بتدبر و تفكر و تعظيم و تنزيه ، و سؤال عند آية السؤال ، و خوف و تضرع عند آية خوف ، و وعيد و اعتبار، فإن القرءان لا يسأم قارؤه ، لاختلاف المعانى فيه .

( فصل )
وعليك بحل عقدة الإصرار من قلبك . و لا تطيق ذلك إلا أن تقول لنفسك - فى النَّـفَس الخارج - هل تدرين يا نفْس أن النَّـفَس الآخر يأتيك ، أم لا ؟ فلعل - و الله تعالى أعلم - ربما تموتين فى هذا النَّـفَس ، فإنه آخر أنفاسك فى الدنيا ، و أنت مصرة على السوء . عند الله تعالى للمصرين على الذنوب من العذاب . ما لا تطيقه الجبال الشوامخ ، كيف بضعيفة مثلك ؟ فتوبى إلى الله تعالى ، فإنك لا تدرين متى يفاجئك الموت ، فإن الله تعالى يقول : ( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ ).
و قال سيد الخلق ، رسول الله صلى الله على آله و صحبه و سلم : " إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ".
و كم من شخص فجأه الموت و هو يأكل و يشرب و ينكح ، وهو نائم : تخرج روحه فلا يستيقظ .
و عظ نفسك بمثل هذا ، فإنه متى كان منك مثل هذا و أكثر : انحلت عقدة الإصرار .

( فصل )
و عليك بتقوى الله فى السر و العلانية . و معنى التقوى ، وهو : الحذر من عقابه ، فإنه من خاف من عقابه بادر إلى الفعل الذى يرضى الله تعالى ، والله تعالى يقول : ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ).
وقال : ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ). فالتقوى مشتق من الوقاية .
فاتق الله من فعل الله ، كما قال المصطفى صلى الله على آله و صحبه و سلم : " أعوذ بك منك " .
فكل شىء تخافه و تخشاه ، فاجتنب الطريق الموصلة إليه ، فإن المعصية طريق موصلة إلى الشقاوة .
و الطاعة طريق موصلة إلى السعادة .

( فصل )
و إياك و الاغترار، فهو : أن تخدعك نفسك لكرم الله تعالى و حلمه ، مع استمرارك على معصيته ، و يخدعك إبليس لعنة الله عليه بأن يقول لك : لولا ذنبك و مخالفتك : من أين يظهر كرمه و رحمته و عفوه و مغفرته .
و يقول لك : " ما على المحسنين من سبيل " فإن الرحمة سبقت لهم من الله تعالى فى الدنيا و الآخرة .
فلا يغررك هذا الكلام ، فقل له : أما رحمته و ما ذكرت منه كان .
صحيح : أنه لولا المخالفة و الذنوب لما ظهرت آثار هذه الصفات - على زعمك - و الآثار و الأخبار فيها صحيحة . لكن يا ملعون تريد أن تغرنى بكرم الله تعالى . و من أين أعلم أنى ممن عفى عنه ، أو يغفر له .
نعم؛ يلحق كرمه و رحمته و مغفرته وعفوه بمن شاء من عباده، كما يلحق عقوبته و نقمته بمن شاء من عصاته، و أنا لاأدرى من أى الفريقين أنا عند فعلى هذا .
ولعل الله تعالى كما حرمنى التوبة من المعصية هنا، يحرمنى عفوه قبل دخولى النار ، فينتفم منى .
ألا ؛ و إن الذنب يزيد الكفر ، فلو علمت قطعاً أنى ممن يعفى عنه قطعاً ، و لا يؤخذ بذنب ، ربما اغتررت بكلامك ، و ذلك حمق منى وجهل . بل كان الواجب أن أبذل جهدى فى طاعة الله ، شكراً لله تعالى ، وحياء منه ، فإنه أولى من أستحى منه . كيف وما بشرنى على التعيين ، و لا أمننى ، بل تركنى مهملاً فى معصيتى بين عفوه و عذابه . كيف أغتر بزورك و بزور نفسى الأمارة بالسوء .
( فصل )
وعليك بالورع ، و هو اجتناب ما حاك فى صدرك. قال النبى صلى الله على آله و صحبه و سلم: " دع ما يريبك إلى ما يريبك" ولو لم تجد غيره و أنت محتاج إليه ، و اتركه لله يعوضك الله خيراً منه .
و لا تستعجل ، فالورع أساس الدين ، فإذا استعملته زكت أفعالك ، و نجحت أحوالك ، وكملت أقوالك، و سارعت إليك الكرامات و كنت محفوظاً فى جميع أمورك ، حفظاً إلهياً لا شك فيه .
الله الله يا أخى .
الورع الورع .
( فصل )
و عليك بالزهد فى الدنيا و قلة الرغبة فيها ، بل أعدمها من قلبك جملة واحدة .
و إن كنت لا بد لها طالباً ، فاقتصر على طلب منها ، من وجهه فلا تنافس أبناءها ، فإنها عرض لا يبقى ، و لا ينال الراغب منها مراده أبداً . و الله تعالى لا يعطيه إلا ما قسم له . و الراغب فيها لا يزال كثير الحزن عليها ، ممقوتاً عند الله تعالى ، فإن مثل الطالب لها كمثل ماء البحر ، كلما ازداد شرباً ازداد عطشاً . وحسبك من تشبيه النبى صلى الله على آله و صحبه و سلم للدنيا: بالجيفة و المزبلة . وهل يجتمع على الجيفة و المزبلة إلا الكلاب .
قال الله تعالى : " يابن آدم إن رضيت بما قسمت لك أرحت قلبك و بدنك ، وجاءك رزقك و أنت محمود ، وإن لم ترض بما قسمت لك ، أتعبت قلبك و بدنك ، حتى تركض وراءها ركض الوحـوش فى الـبـرية ، ثــم و عـزتى و جــلالى لا ينالك منها
إلا ما قدرت لك ، و أنت مذموم " .
قال الله تعالى : ( وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) و هى رجوعهم إلى أموالهم بالنظر فيها
( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ ).
***
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
تمت بحمد الله وحسن عونه.
***
http://syangar.bodo.blogspot.co.cc